المحرك هو القلب النابض لأي سيارة، وبدونه تصبح السيارة مجرد هيكل معدني لا قيمة له. لهذا السبب يولي السائقون والمهتمون بالسيارات عناية خاصة بالمحرك، لأنه العنصر الأكثر حساسية وتأثيراً في الأداء والكفاءة. المحافظة على المحرك ليست مسألة رفاهية، وإنما هي ضرورة اقتصادية وأمنية في الوقت ذاته؛ فالمحرك الذي تتم العناية به بشكل جيد يدوم لسنوات طويلة، ويعمل بكفاءة عالية، ويجنبك تكاليف الإصلاح الباهظة التي قد تصل أحياناً إلى تكلفة شراء محرك جديد. في هذا المقال سنستعرض مجموعة من النصائح والخطوات العملية التي تساعدك على الحفاظ على محرك سيارتك لأطول فترة ممكنة، وسنتناول الموضوع من جميع جوانبه ابتداءً من الصيانة الدورية وحتى أسلوب القيادة.

الصيانة الدورية وأهميتها
الصيانة المنتظمة للمحرك هي الأساس الذي يقوم عليه عمره الطويل. كثير من السائقين يعتقدون أن المحرك قادر على العمل لفترات طويلة من دون متابعة دقيقة، لكن الحقيقة أن أي إهمال صغير قد يتحول إلى مشكلة كبيرة مع مرور الوقت. على سبيل المثال، تأخير تغيير زيت المحرك قد يؤدي إلى تراكم الأوساخ والشوائب داخل غرفة الاحتراق، وهذا يضعف التزييت بين الأجزاء المعدنية ويزيد من الاحتكاك، وبالتالي ترتفع درجة الحرارة الداخلية ويبدأ التآكل التدريجي. الأمر نفسه ينطبق على فلاتر الزيت والهواء والوقود، فهي تعمل على منع دخول الشوائب إلى داخل المحرك، وإهمال استبدالها يعني السماح لتلك الشوائب بالانتشار داخله.
كما أن متابعة مستويات السوائل المختلفة مثل سائل التبريد وزيت الفرامل وزيت ناقل الحركة ضرورية للغاية. كل هذه العناصر تشكل شبكة مترابطة تحافظ على استقرار المحرك، وإذا اختل أحدها فسوف يتأثر أداء المحرك بأكمله. لذلك، من الأفضل الالتزام بالجدول الذي تحدده الشركة المصنعة للسيارة، وعدم الاكتفاء بالفحص عند ظهور مشكلة واضحة فقط.
الوقود والزيت المناسبان
من النقاط الجوهرية التي يغفل عنها البعض مسألة اختيار الوقود والزيت المناسبين. المحرك صمم ليعمل وفق مواصفات دقيقة، واستخدام وقود منخفض الجودة أو مخالف للمواصفات الموصى بها يؤدي إلى تكوين ترسبات كربونية داخل الأسطوانات. هذه الترسبات لا تقلل فقط من كفاءة الاحتراق، بل تزيد استهلاك الوقود وترفع انبعاث الغازات الضارة.
الأمر نفسه ينطبق على زيت المحرك. الزيت غير المناسب قد لا يملك القدرة على التماسك في درجات الحرارة العالية، أو قد يكون أكثر لزوجة من المطلوب فيعيق الحركة السلسة للأجزاء الداخلية. من هنا تأتي أهمية الالتزام بالمواصفات التي يحددها دليل السيارة، وعدم الاعتماد على اجتهادات شخصية أو نصائح غير دقيقة.
أسلوب القيادة ودوره في إطالة عمر المحرك
طريقة قيادة السائق تعد عاملاً لا يقل أهمية عن الصيانة الدورية. كثيرون لا يدركون أن عادات القيادة الخاطئة تقصر من عمر المحرك بشكل ملحوظ. التسارع المفاجئ مثلاً يضع حملاً زائداً على غرفة الاحتراق ويزيد استهلاك الوقود، بينما القيادة العدوانية القائمة على الكبح المتكرر والضغط الشديد على الدواسات تؤدي إلى إنهاك مكونات السيارة عموماً، بما فيها المحرك.
كذلك، تشغيل السيارة والانطلاق مباشرة من دون إحماء قصير يضر بالمحرك خاصة في الأجواء الباردة، إذ يحتاج الزيت إلى بضع لحظات كي ينتشر داخل الأجزاء المعدنية ويؤمن الحماية الكاملة لها. أما إطفاء المحرك مباشرة بعد رحلة طويلة أو بعد قيادة على سرعات عالية فيحرم التوربو أو مكونات التبريد من الوقت اللازم لتفريغ الحرارة، وهو ما قد يسبب تلفاً مبكراً.
نظام التبريد والتنظيف
المحرك بطبيعته ينتج حرارة عالية أثناء العمل، وإذا لم تتم السيطرة على تلك الحرارة فسوف يتعرض للتلف السريع. هنا يأتي دور نظام التبريد الذي يعتمد على سائل خاص يدور داخل قنوات الرادياتير ليحافظ على درجة الحرارة ضمن الحدود الآمنة. نقص هذا السائل أو تراكم الرواسب في الرادياتير يؤدي إلى ارتفاع حرارة المحرك بشكل خطير، وهو أحد أكثر الأسباب شيوعاً لتعطل السيارات. لذلك يجب مراقبة مستوى سائل التبريد بانتظام، والتأكد من خلو الرادياتير من الانسدادات، وإجراء عملية تنظيف له عند الحاجة.
ولا يقتصر الأمر على نظام التبريد الداخلي، بل يشمل أيضاً نظافة المحرك من الخارج. تراكم الغبار والزيوت القديمة على سطح المحرك يزيد من احتباس الحرارة، كما أنه قد يخفي بعض التسريبات الصغيرة التي لو اكتُشفت مبكراً لكان إصلاحها بسيطاً.
الأجزاء المساعدة وتأثيرها غير المباشر
المحرك لا يعمل بمفرده، بل يعتمد على منظومة كاملة من الأجزاء المساعدة التي تؤثر في أدائه بشكل مباشر أو غير مباشر. من أبرز هذه الأجزاء شمعات الاحتراق، التي تضمن حدوث عملية احتراق كاملة داخل الأسطوانات. ضعفها يؤدي إلى اهتزاز المحرك وارتفاع استهلاك الوقود.
كذلك، يلعب سير التايمنج دوراً أساسياً في مزامنة حركة الصمامات مع حركة المكابس. وإذا انقطع بشكل مفاجئ أثناء القيادة فقد يتسبب في أضرار جسيمة تصل إلى تدمير الأسطوانات نفسها. لذلك من الضروري استبداله في المواعيد المحددة مسبقاً.
ولا يمكن إغفال دور البطارية والدينامو. فحتى وإن لم يكن لهما اتصال مباشر بالاحتراق الداخلي، إلا أن ضعفهما يعيق تشغيل المحرك بسلاسة، ويؤثر على عمل الأنظمة الإلكترونية التي تنظم احتراق الوقود.

العناية العامة بالسيارة وانعكاسها على المحرك
من المثير للاهتمام أن صيانة بعض الأجزاء الأخرى في السيارة تساهم بشكل غير مباشر في الحفاظ على المحرك. فالإطارات مثلاً إذا كانت غير متوازنة أو مضغوطة بشكل خاطئ فإنها تزيد الحمل على المحرك وتجعله يستهلك وقوداً أكثر للحفاظ على الأداء نفسه. كذلك، انسداد نظام العادم يمنع الغازات من الخروج بسلاسة، وهو ما يسبب ضغطاً عكسياً على غرفة الاحتراق ويضعف قوة المحرك بمرور الوقت.
حتى خزان الوقود يحتاج إلى متابعة بين حين وآخر، لأن تراكم الأوساخ والرواسب داخله قد يسمح بدخول شوائب إلى دورة الوقود بأكملها. تنظيف الخزان أو استخدام إضافات مخصصة أحياناً يساعد على تجنب هذه المشكلة.
رسالة أخيرة للقارئ
في النهاية يمكن القول إن الحفاظ على عمر محرك السيارة يتطلب مزيجاً من الصيانة المنتظمة، والوعي بأسلوب القيادة الصحيح، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي قد تبدو غير مهمة لكنها تصنع الفارق على المدى البعيد. فالمحرك الذي يحظى بالاهتمام اللازم يعيش أطول، ويقدم أداءً أفضل، ويوفر على مالكه مبالغ كبيرة كان سيدفعها في الإصلاحات. إن التعامل مع المحرك باعتباره استثماراً طويل الأجل هو أفضل ما يمكن أن يفعله أي سائق، لأن ثمار هذا الاهتمام ستظهر مع مرور السنوات في صورة سيارة أكثر قوة وأماناً وقيمة.
بقلم • بهاء سعيد
إرسال تعليق
"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"